ترك الرئيس التنزاني الراحل جون موجوفولي إرثاً معقداً بعد خمس سنوات قضاها في السلطة. صحيح أن بلاده حققت مكانةَ ما يطلق عليه «وضعية الدخل المتوسط» من مؤسسات الإقراض الدولية. وخلال عامه الأخير في السلطة، ظهر موجوفولي باعتباره أحد أكثر زعماء الدول تقليلاً من شأن جائحة كورونا. فقد رفض موجوفولي، والذي توفي يوم 17 مارس الجاري عن عمر يناهز 61 عاماً، اللقاحات وظل لفترة طويلة من العام الماضي يؤكد أن بلاده لا يوجد فيها فيروس «كوفيد-19»، وأعلن أنها تخلصت من الفيروس بفضل ثلاثة أيام من الصلاة التي دعا إليها في يونيو الماضي. وهذا رغم أن البلد الواقع في شرق أفريقيا، والذي يقطنه 60 مليون نسمة، امتلأت مستشفياته بحالات الإصابة وإبلاغ دول أخرى عن ورود حالات إليها قادمة من تنزانيا.
وكشف إعلان وفاته، مثل السنوات التي قضاها في السلطة رئيساً، عن انقسام عميق في البلاد بشأن أسلوب الرجل القوي الذي اتبعه في القيادة. ومع أداء نائبته سامية سولوهو اليمين الدستورية يوم 19 مارس الجاري لتصبح المرأة الوحيدة التي تتولى الآن رئاسة دولة في القارة، هناك توقعات بالاستمرارية تتصارع مع آمال ببداية جديدة. وكانت سولوهو قد أعلنت أن وفاة موجوفولي سببها مضاعفات في القلب.
ويرى تشارلز نيرمبي الذي يعمل بالزراعة ويبلغ من العمر 40 عاماً ويقيم في مدينة موشي بشمال البلاد، أن الوفاة لم تكن بسبب «كوفيد-19» بل كانت إرادة الله. وأنصار موجوفولي يرون أن الرئيس الراحل كان يمثل التقدم والوطنية الخالصة. ويرى بعضهم أن رفض لقاحات فيروس كورونا يمثل مقاومة للقوى الاستعمارية الغربية السابقة التي مازال يرى فيها السكان معرقلاً لتنمية تنزانيا. ويؤكد نيرمبي أن موجوفولي «قام بأشياء ملموسة. وأقام طرقاً ومستشفيات. وكان يعرف بل ويقول إن البِيض لا يحبوننا ويستغلوننا لتطوير أنفسهم. إذا اتبعت الرئيسة الجديدة نهجه فستظل تنزانيا على المسار الصحيح».
حتى بعض نشطاء حقوق الإنسان يشيرون إلى إنجازات موجوفولي في مجال التنمية الاقتصادية. فقد قالت آنا هانجا، المدير التنفيذي لمركز الحقوق القانونية والإنسانية في دار السلام، أكبر مدن البلاد، إن موجوفولي خاض «حرباً ضد الفساد واهتم بقضايا البنية التحتية. لقد كان متحمساً جداً لقضايا الكهرباء والصناعات».
وأدى موقف موجوفولي من الجائحة إلى استنكار دولي، وهددت عدة دول بترك تنزانيا منعزلة مع إعادة فتح السفر، لأن موجوفولي رفض صراحة الخطط الدولية لتوزيع اللقاحات. ولم يمر إلا ثلاثة أسابيع بين آخر ظهور علني لموجوفولي في نهاية فبراير وإعلان وفاته يوم 17 مارس.
وهناك سلالة من كورونا تدعى «بي. 1.351» يُعتقد أنها تنتشر في تنزانيا على نطاق واسع. ورغم إنكار الحكومة وجود الفيروس، فقد نصحت السكان بتفادي الإصابة وبتناول الخضراوات كعصائر أو بطهيها. وروجت حكومة موجوفولي لعلاجات لم تثبت نجاعتها ورفضت تقديم معلومات عن انتشار الفيروس.
وكان موجوفولي قد أعلن أمام حشد من الناس في يناير الماضي أن «اللقاحات خطيرة»، وهو زعم لم تثبت صحته علمياً. وأضاف: «لو كان بوسع الرجل الأبيض ابتكار لقاحات، لكان قد توصل إلى لقاح للأيدز».
والإحصاء الرسمي حول كورونا في تنزانيا ظل عند 509 حالات إصابة و21 حالة وفاة منذ توقف وزارة الصحة عن الإبلاغ ببيانات في أبريل من العام الماضي. وذكرت ماريا سارونجي، مؤسسة جماعة «تغيير تنزانيا» المدافعة عن حرية التعبير، أن لا أحد سيتكلم ويكشف عن هويته بشأن فيروس «كوفيد-19» رغم وفاة كثيرين بسبب هذا الفيروس. وأضافت أن هناك انقساماً في البلاد التي «تحتاج إلى أكثر من الكلمات كي تحدث مصالحة».
*مراسلة واشنطن بوست في نيروبي
*رئيس مكتب واشنطن بوست في نيروبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»